Reader Mode

سؤال: ما المعيار الذي يجب أن تكون عليه أزياؤنا و أثاث بيوتنا؟

الجواب: إن قضايانا نحن المسلمين تنطلق من الإيمان، وتستمر بالعبادة، وترتقي في المعاملة، ثم تتطوّر على شكلٍ يشمل عاداتنا وسلوكياتنا الشخصية، وتشكل كل قضية من هذه القضايا عمقًا خاصًّا في الحياة المتعددة الأبعاد التي نعيشها، وفي معظم هذه القضايا وفي أمور أخرى لا نعرفها نشعرُ بحاجة مُلِحّةٍ إلى الرائد القائد.

ومفخرة الإنسانية وسيد الكونين محمد صلى الله عليه وسلم هو خير قدوة لنا في فهم حقيقة الدين واستيعابها وتحويلها إلى واقع مُعاش، إننا حتى في الوقت الحالي نرى ونشعر وكأن روحانيته صلى الله عليه وسلم التي توحي بالسكينة ترفرف فوق رؤوسنا، أما أصحاب القلوب المستنيرة فهم محظوظون بالشعور الدائم بهذه الروحانية.

وخَلَفَ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في معظم القرون رجالٌ عظامٌ أزالوا السخام والصدأ عن القلوب رغم ما أتى عليه الزمان والحوادث، فأحيوا الدين، وكشفوا بأيديهم النورانية من جديد عن الهوية الحقيقية للروح المحمدية.

وقد اكتسبت هذه القضايا التي أسّسها الصحابة بُعدًا آخر على يد الإمام أبي حنيفة ومن على شاكلته من القامات الشامخة، ثم جاء مِنْ بَعدِهم رجال عظام أمثال الإمام الغزالي والإمام الرباني والإمام عبد القادر الكيلاني ومولانا جلال الدين الرومي ومهموم عصرنا الأستاذ النُّورسي فتجدّدت تلك القضايا وحافظت دائمًا على نشاطها وحيويتها، ورغم مرور هذا القدر من الزمان ومع كل هذه الغوائل فإننا ما زلنا نراها حتى في عصرنا نقيّةً متجدّدة بفضل هذه الأيادي النورانية، فالحمد لله حمدًا لا يُحَدّ ولا يُحصى أنه لم يطردْنا عن إحسانه، وجعلَنَا -دون حولٍ لنا ولا قوة- على مثل هذا الحوض النوراني، وإن انتقاءَه لنا مع وجود من هم أنسب وأليق منا دليلٌ على فضل الله وإحسانه علينا، وليس على قدراتنا وجدارتنا في شيء، ومن التحقوا بهذا الأمر دون كثير من السعي أو الجهد ربما يوافقونني الرأي في ذلك.

لقد بُينت لنا حتى الآن معظم القضايا الضرورية في الوقت الحاضر وفي المستقبل، وقام السلَفُ بإنارة الطريق للخلَفِ بما لا يدع مجالًا لأيّ شكٍّ أو تردّدٍ، وما علينا بعد ذلك إلا أن نسير في هذا الطريق المنير فقط.

ولنضربْ مثالًا على هذه المسألة مـمّا وردَ بالسؤال: فمثلًا كلّ الجوانب الخاصة بالملبس والمأكل والمشرب ونظام البيت وأثاثه قد شُرحت لنا بشكل تطبيقي، فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقدُ على الحصير، حتى أثَّر الحصير في جنبه المبارك صلى الله عليه وسلم، وسيدنا أبو بكر رضي الله عنه عندما تناول قدحًا من الماء البارد لم يتمالك نفسَه فأجهش بالبكاء، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: تذكَّرْتُ أن الله عز وجل سيحاسبني على كل هذه النعم، وسيدنا عمر رضي الله عنه لما عرضت عليه ابنته حفصة أن يلبس ثوبًا أجمل ممّا هو عليه وبّخها بشدة دون اعتبار أنها أمٌّ للمؤمنين y أجمعين.

ولقد تمثّلت مثل هذه الفلسفة الحياتية التي شهِدَ التاريخ آلافًا من أمثلتها التطبيقية على يد مهمومِ عصرِنا ومن سار على دربه من المهمومين الآخرين، فتحقق هذا التوازن التام بين الدنيا والعقبى والروح والجسد مجدّدًا، وذُكِّرَ الناس بهذه الأمور مرّةً أخرى.

أما نحن فلا يتأتى لنا أن نقول إننا قد استوعبنا هذه البساطة بكل جوانبها، يلزم أن نضع معيارًا لهذه البساطة حتى لا يستغربنا الناس، وأن يكون هذا المعيار أقصى حدٍّ نحافظ عليه ثم ننطلق منه.

 وأحيانًا ننخدع ونعتقد أن هذا سيؤثر إيجابيًّا على مخاطبينا، بيد أن بساطَتَنا هي خيرُ دليلٍ على تفانينا وإخلاصنا الذي تظهَرُ آثاره في مخاطبينا، ولقد استوقفتني يومًا كلماتٌ صدرت عن رَجُلٍ من الطبقة المثقفة ما كنت أظنُّ أن يقول مثل هذا الكلام، حيثُ قال: “صدِّقوا هذا الرجل وثِقُوا به، فما رأيتُ في بيته إلا حصيرًا مثقوبَ الوسط”، فاعتبر هذا الرجلُ الحصيرَ مدعاةً للتصديق والثقة.

وبما أن البذخَ والترفَ لا حدّ لهما فلا يمكننا أن نبلغ منتهاهما، وأنا لا أتصوّر أن هذا البذخَ ينفعنا في خدمتنا، فلنا أن نستخدم معيار عدم الاستغراب إلى حدٍّ ما، ولا يجوز لنا أكثر من ذلك.

فهرس الكتاب