Reader Mode

 هل يمكن أن تشرحوا لنا كيف نحافظ على جيلنا ضدّ عمَليات التخريب التي يقوم بها المفسدون؟.

منذ عهد آدم عليه السلام وحتى اليوم اختار الكفرُ طريق التخريب والهدم، واختار المؤمنون طريق البناء والتعمير. لذا يقول مفكر العصر الأستاذ “النُّورسي”، رحمه الله وقد شعر بهذا الهمّ في أعماق قلبه وفكره: “إن مقاومة خدام القرآن الكريم وحدهم ذلك التخريب المريع إنما هي عمل خارق، فلو كانت هاتان القوَّتان المتقابلتان على مستوًى واحدٍ من القوَّةِ؛ لكنتَ ترى في التعمير والبناء – الروحي والأخلاقي- خوارقَ وفتوحاتٍ عظيمة جدًا”.[1]

نأمل من رحمة الله الواسعة أن تصون هذا الجيل الناشئ الذي صاحبَه منذ نشأته كثيرٌ من الآلام والمعاناة، وألّا يدعَ براعم الأمل فريسةً للوحوش.

 الواجبات تتعاظم

يقوم، مَنْ ليس لهم حظٌّ من إيمان، بعمليات التخريب والتدمير، ويستغلون مشاعر الإنسان وغرائزه لِإسقاطِهِ في مستنقَعِ الشهوةِ، وإثارة رغباته إلى أن يُصبحَ أسيرًا وعبدًا لحياة مادّيّةٍ بَحْتة، ويزيّنون له المنصب والجاه، وهكذا تقوم جبهة الكفر بعمليات هدم وتخريبٍ واسعة بوسائل بسيطة، فتغوي أجيالًا من الشباب. بينما نقوم بإعادة بناءِ وتعمير قلعة كبيرة جدًّا تهدّمت جدرانُها وحصونها منذ قرون عديدة.

منذ عهد آدم عليه السلام وحتى اليوم اختار الكفرُ طريق التخريب والهدم، واختار المؤمنون طريق البناء والتعمير.

تأملوا، لقد اهتزت قواعد التوحيد في بلدان العالم الإسلامي، وظهر الكفر بالله وإنكاره، وتعرّض الرسول صلى الله عليه وسلم للسخرية والاستهزاء، واستُهين بالدين، وأُهين القرآن الكريم؛ مصدر النور الذي أضاء الكون واعترف أعداؤه بإعجازه، بل فقدَ الدين حتى عند بعض المؤمنين أولويّتَه وثِقَلَه، وتعقّد كلّ شيء… إن الواجبات لَتَتعاظَمُ وتكثرُ في مثل هذا العهد، كما تعظم قيمة تلك الواجبات وأهميتها.

القابضون علي الجمر

بينما يقوم الطرف المعادي بتدمير الشباب بأفلامه ومسرحياته وخَمّاراته وملاهيه الليلية، فإننا نرشد الشباب ونطلب منهم أشياء تبدو في الظاهر صعبة، إذ نقول لهم: “صلّوا وصوموا وضحوا ببعض رغبات أنفسكم، لا تعيشوا لأنفسكم، بل لِمَن حولكم، وضحّوا بأنفسكم من أجل الأجيال القادمة”، ومع كلّ هذه المطالب الصعبة ظاهريًّا نرى إقبال آلاف الشباب علينا، وتمسكهم بإخلاصٍ بمبادئ الإسلام، لقد قلنا قبل سنواتٍ بأن التفكُّك والانهدامَ سيكون مصير الاتحاد السوفيتي والصين، وأصبح هذا من المعلومات الاعتيادية الآن، ومسائل عديدة قيلت في الأمس ولم يفهمها أحدٌ حقَّ الفهم ونراها الآن قد تحققت وأصبحت عينَ اليقين، فهناك تبدّلات وتغيرات مهمة جدًّا نشاهدها حولنا، لقد بدأت الإنسانية تذوب أمام الدين كذوبان الثلج تحتَ أشعّة الشمس المتوهّجة، وبدأت قلعة الكفر تفقد مواقعها في الأماكن المرتفعة منحدِرةً إلى أسفل، أما برج إيماننا فهو يرتفع بسرعةٍ إلى الأعلى.

فقدَ الدين في بلدان العالم الإسلامي حتى عند بعض المؤمنين أولويّتَه وثِقَلَه، وتعقّد كلّ شيء.

وفي الواقع لو لم تمتدّ يد عنايته ورحمته لَما كان هذا بمقدورنا. أجل، لقد تفضّل علينا ربنا سبحانه بإحسانه ولطفه، وساقنا إلى مجالاتٍ لا نعرفها أبدًا، وبعد مدةٍ أدركنا أنه كان من الواجب علينا الدخول إلى تلك الساحات، ونحن ندعو الله تعالى أن يديم علينا عنايته ومعونته حتى إنجاز هذا العمل كاملًا غير منقوص، إنه على كل شيء قدير.

————-

[1]  بديع الزمان سعيد النُّورسي: سيرة ذاتية، في منفى قسطموني، ص 345

المصدر: محمد فتح الله كولن:”الاستقامة في العمل والدعوة”، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 69-72.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts