Reader Mode

يتضمن هذا الكتابُ المتواضع سلسلةً من الأجوبة الارتجالية على أسئلة وُجِّهتْ إليّ في مناسبات مختلفة، وقد حوفظ فيه في غالب الأحيان على الأسلوب الخطابي الكلامي. ورغم أنّ الكتاب قد خضع فيما بعد لبعض التصحيحات الطفيفة فإنّ أسلوبَ الكتاب وصياغته الأولى لم يتعرضا لأي تغيير. والأحرى أننا آثرنا عدم القيام بهذه العملية لصعوبة إعادة صياغة كلّ شيء من جديد، مما نجم عن ذلك وجود بعض الغموض والقصور في التعبير.  ولذا نرجو من قرَّائِنا الأعزاء أن يأخذوا كلّ هذه الملاحظات بعين الاعتبار عند مطالعتهم لهذا الكتاب، وأن ينظروا بعين الصفح إلى ما بدر منّا من سهو أو قصور. وأخيرًا نسألهم الدعاء لنا على الدوام.

المؤلف: محمد فتح الله كولن

 

حول الكتاب

تراكمت منذ عصور كثيرٌ من الشكوك والشبهات، نَحتت ونخرت عقائدَ الناس فرادى وجماعات وكأنها مبرد أو مثقب يحتّ في العقول والأذهان. وقد لاحت هذه الشكوك والشبهات في عصرنا هذا على وجه الخصوص على شكل إلحادٍ جماعي. ولم يستطع العالم المسيحي أن يصمد أمام هذه الموجة، حتى إننا تعرضنا أيضًا في الوهلة الأولى للتذبذب والتردد. بل إنّ بعضًا من الشباب الذين فقدوا إيمانهم في بداية هذا العصر وكانت نهايتهم الانتحار قد نوّهوا في رسائلهم الأخيرة بأنه لا معنى للحياة من دون إيمان.

ولقد ترتب على الأدوات المفسدة التي تراكمت منذ ألف سنة أن أُثخنت المبادئُ والأفكارُ العامة بجروح غائرة، وقوّضت الشعائر الإسلامية التي تعد ركائز أساسية يعتمد عليه إنسانُ هذا العصر، فنتج عن هذا أن جنح الضميرُ العام إلى الضلال والفساد. ولذا كان يجب أن تُضمّد هذا الجروح بأدوية القرآن والإيمان.

ولقد كان علماؤنا على وعي بهذا، فها هو المرحوم “عمر نصوحي” يقول: “ينبغي لعلماء الإسلام اليوم أن يقوموا بعملية تجديد في علم الكلام، عن طريق تفنيد ودحض النظريات الفلسفية الحديثة التي كدّرت العقول والأذهان في هذا الزمان”. ويشخِّص الطبيب الحاذق في هذا الزمان هذا المرضَ بقوله: “الفلسفة المادية طاعون معنوي، حيث سبّبت في سريان حمّى مهلكة في البشرية، وعرّضتها للغضب الإلهي. فكلّما توسعت قابلية التمرد والانتقاد -بالتلقين والتقليد- توسّع ذلك الطاعون أيضًا وانتشر. فانبهار الإنسان بالعلوم، وانغماره في تقليد المدنية الحاضرة أعطاه الحرية وروح الانتقاد والتمرد، فظهر الضلال من غروره”.

وقد أصبح هذا المرض في زماننا أخطر وأوسع انتشارًا من الطاعون، وخاصةً بعد أن تناوله بعض الروائيين المشهورين في رواياتهم. فنما وترعرع في العقول والقلوب الشابة الغرّة الضعيفةِ المناعة. وأصبحت هذه الشكوك والشبهات مدار الحديث في القرى والمدن، فما يكاد الحديث يدور حول الدين والإيمان في المدارس والمقاهي حتى  تطلّ هذه الشكوك والشبهات برأسها على جموع الناس ويشرعون في الحديث عنها.

فبعض الناس اتخذوا من هذا الوضع موقفًا، وكأنهم سدوا آذانهم تجاه هذه الشكوك والشبهات، فأخذوها وحاولوا أن يلووا أعناقها ويحطموا رؤوسها، بقوة إيمانهم الذي يفور ويطفح من أعماق ضمائرهم.. بل وألقى بها في غياهب السجون التي أعدّوها في قلوبهم وأذهانهم. ورغم أنهم لم يتمكنوا من دحض هذه الشكوك والشبهات، فإنهم اعتمدوا على صلابة إيمانهم والملذات الروحانية والمعنوية التي تكسبها نشوةُ العبادة، وعاشوا في شدٍّ معنوي، متصدّين لتلك الشكوك والشبهات، ولم يهبوها حقَّ الحياة.

وتجاوز بعضهم أيضًا فهمّ بتكفير هؤلاء الذين يثيرون هذه الشبهات دون اعتبار لنواياهم. فأدّت هذه السلبية في ردود الأفعال إلى تعمق الغرغرينا وانتشارها. ولمّا لم يجد مَن يسأل عن هذه الشبهات بنوايا حسنة، جوابًا مقنعًا لهم أصيبوا بخيبة أمل، وتورطوا أكثر في شبهات مهلكة، فوقعوا في دُوّامة الإلحاد، وتدحرجوا في هوًى سحيقة.

وكان هذا الوضع المزري فرصةً سانحةً لأولئك الذين تبنوا الفكر المادي وحوّلوا نظرتهم هذه إلى حرب أيدولوجية.. فأخذوا يصرعون كثيرًا من ضحاياهم بسهام هذه الشبهات، أو -على الأقل- يثخنونهم بالجراح.

كان الكفر قديمًا نابعًا من الجهل، فلذلك كانت جهالات الناس تزول فور بيان الحقائق لهم، وتغمرهم السكينة جراء بلوغ الحق والصواب. وأما في عصرنا فإن هناك عواصف إلحادية تهبّ تحت عباءة العلم والفلسفة، فهناك أشخاصٌ يعتنقون مثل هذه النوعية من الأفكار ويحسبون أنفسهم عالمين، ولذا لا يتقبّلون أي شيء غير أفكارهم التي يعتبرونها علمية، ومن ثمّ ضعفت قابلياتهم في البحث عن الحقيقة. من أجل ذلك لم يكن يهتدي من مثل هؤلاء قديمًا إلا واحد بالألف. ولكن لأن الإيمان قديمًا كان عامًّا ومتمكّنًا في النفوس؛ بمعنى أن أكثر الناس كانوا مؤمنين فلم يكن لمعتقدات أولئك ضررٌ كبير على الآخرين. بيد أنّ الكثيرين في عصرنا تذبذبت عقيدتهم نظرًا لتولّي عصر التسليم والإذعان، ونشأ عن انتشار الأراجيف أن رأينا متخبّطين في الشكوك والشبهات في كلّ مكان، بل مَن فقد كل ما لديهم.

وابتغاءً لتضميد هذا الجرح الغائر قمنا بإعداد هذه السلسلة التي تسمى: “أسئلة العصر المحيرة”. وهي عبارة عن أجوبة ارتجالية على الأسئلة التي طرحتها جماعة المسجد -وأكثرهم من الشباب- أثناء دروس الوعظ التي كان يُلقيها الأستاذ محمد فتح الله كولن في السبعينات من القرن المنصرم. ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن هذه السلسلة تفتقد إلى وحدة الموضوع؛ لأن الأسئلة المطروحة كانت متعلقة بموضوعات شتى. ورغم هذا فقد رتّبنا الموضوعات الواردة في هذه السلسلة  في أربعة مجلدات حتى تخضع على الأقل لنظام معين.

المجلد الأول: أسئلة عن شبهات مباشرة  حول مبادئ العقيدة.

المجلد الثاني: أسئلة تنطوي على شبهات ضمنية، وأسئلة أخرى تتعلق بالعقيدة.

المجلد الثالث: أسئلة حول حياة “الخدمة الإيمانية”، وطرق اكتساب النضج الروحي، والحفاظ عليه.

المجلد الرابع: أسئلة متفرقة.

هذا وقد سبق أن نشرنا كتابًا واحدًا من هذه السلسلة تحت عنوان: “أسئلة العصر المحيّرة”، يتضمن أسئلة مختارة مبثوثة في المجلدات الأربع التي تحمل اسم السلسلة. أما الكتاب الذي بين أيديكم فهو المجلد الأول من هذه السلسة.

ونرجو أن يحوز هذا الكتاب على إعجابكم وأن يكون وسيلةً للردّ على الشبهات التي تدور في القلوب والأذهان.

دار النيل

فهرس الكتاب

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts