Reader Mode

إذا ما ابتغينا الولدَ الصالحَ فعلينا بدايةً أن نُحْسِنَ تربيةَ والديه؛ إذ يجبُ أن يتعلّمَ الوالدانِ في البداية كيف يكونان قدوةً لأولادِهما، وكيف يعاملانهم، بل ومن الممكن أن يلتحقَ المُقبِلون على الزواجِ بدوراتٍ تأهيليّةٍ قبلَ الزواجِ، فإن حصلوا على شهادةٍ منها تزوَّجوا وإلا فلا، وخلال هذه الدورة يتعلم هؤلاء الشباب المقصد الأساس من الزواج، وكيف يمكن تأسيس علاقة صحّيّةٍ بين الزوجين، وكيف يعاملان بعضهما البعض، كلُّ هذه الموضوعات وأمثالُها لا بدّ من تأسيسها على أرضيّةٍ صلبةٍ؛ لأن المقبل على الزواج -ذكرًا كان أو أنثى- إن تزوَّدَ بالعَتادِ السليم في هذا الشأن فستصبح هذه المؤسَّسةُ المُقَدَّسَةُ التي يُشَكِّلُها مع شريكِ حياته روضةً من رياض الجنة، ولا شك أن الأولاد الذين يتربَّون في كَنَفِ مثل هذه العائلة سيغدون صالحين أسوياء، ولكن إن لم تكن لدى الأبوين كفاءة لتحمُّلِ مسؤوليّة الأبوّة والأمومة فسيظلُّ الأطفال مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وللأسف نشأت معظم الأجيال الحاليّة على هذا النحو، وإن نشأ البعض في بيئةٍ طاهرةٍ وبلغوا ذاتيّتهم فالغالبية العظمى لم تتمكّن من فِعل ذلك.

من الممكن أن يلتحقَ المُقبِلون على الزواجِ بدوراتٍ تأهيليّةٍ قبلَ الزواجِ، فإن حصلوا على شهادةٍ منها تزوَّجوا وإلا فلا.

ولطالما تلقّى الذين تورَّطوا في حبٍّ غير مشروعٍ على خلاف مقصدهم لطماتٍ ممّن أحبُّوهم أيًّا كانوا هم، من أجل ذلك إن لم يعتبر الوالدان ولدهما وديعةً من الله عندهما، بل ونظرا إليه على أنه بضعةٌ منهما فحسب، وأحبَّاه حبًّا أنانيًّا وولِعا به ولعًا مُفرطًا؛ فسيغدو هذا الولدُ ابتلاءً لهما في المستقبل؛ لأنه كما يتسبَّبُ الإفراطُ في شيءٍ تفريطٌ في آخر، فكذلك التفريطُ بالتالي يؤدِّي إلى إفراطٍ آخر، وكما أن هذا الأمر يتخلَّلُ العلاقةَ بين الأبوين والولد فهو يسرِي أيضًا على العلاقةِ بين كلِّ مُحِبٍّ ومحبوبٍ.

إن لم يعتبر الوالدان ولدهما وديعةً من الله عندهما، بل ونظرا إليه على أنه بضعةٌ منهما فحسب، وأحبَّاه حبًّا أنانيًّا وولِعا به ولعًا مُفرطًا؛ فسيغدو هذا الولدُ ابتلاءً لهما في المستقبل.

حاصل القول: لو أن الإنسان وضع غيره -أيًّا كان هو-في مقامٍ أعلى من قدره، وأفرطَ في حُبِّهِ له فسيتلقَّى لطمة منه على عكس ما كان يهدُف أو ينتَظِر، ثم يأتي اليوم الذي يسمع فيه كلٌّ منهما ما لا يحبُّ من الطرف الآخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: فتح الله كولن، إشراقات الأمل في دياجي الحزن والأسى، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ299/ 300.

 

 

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts